خصائص الشريعة الإسلامية
تميّزت الشريعة الإسلاميّة عن بقيّة الشرائع بعدّة ميّزاتٍ، فكانت أحكامها لا مثيل لها، وكانت شريعةً مُستقِلّةً موافقةً للفِطرة الإنسانيّة، ومُلبّيةً لرغبات الفرد وِفق حدودٍ وأحكامٍ مُعيّنةٍ، وفيما يأتي بيان تلك الخصائص وتفصيلها
• ربّانية الشريعة الإسلاميّة تميّزت الشريعة الإسلاميّة بكونها من عند الله -سبحانه-، وهذه الميزة من أهمّ ما تميّزت به؛ فالله مصدر الإسلام، بكلّ ما فيه من شرائع وأحكامٍ، وبالوحي الذي أوحى به إلى نبيّه محمّدٍ -عليه الصلاة والسلام-؛ من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وتترتّب على ذلك عدّة أمورٍ، بيان بعضها فيما يأتي :
• -كمال الشريعة: فالشريعة الإسلاميّة كاملة، وخالية من النقص والخطأ؛ إذ إنّها من عند الله المُتّصِف بصفات الكمال، وكذلك أفعاله أيضاً؛ فكانت شريعته، وأحكامه، ومنهاجه، وقواعده كاملةً.
-مكانة الشريعة الرفيعة: إذ إنّ الشريعة الإسلاميّة لها مكانةٌ عظيمةٌ في جميع النفوس؛ لأنّها من عند الله؛ فالمؤمنون بها جميعهم على اختلاف مستوياتهم ومكانتهم يخضعون لله -تعالى-، ويستسلمون لأوامره بانقيادٍ تامٍّ، واختيارٍ مُطلقٍ، دون قيدٍ أو غصبٍ، وبذلك يتحقّق تطبيق الشريعة الإسلاميّة دون خروجٍ عنها، حتى وإن تحقّقت القدرة على الخروج.
- حفظ أصول الشريعة من التحريف والتبديل تتميّز الشريعة الإسلاميّة بأنّها محفوظةٌ من أيّ تحريفٍ أو تبديلٍ؛ فقد تكفّل الله بحفظ القرآن الكريم، قال -تعالى-: (إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ)، فالقرآن محفوظٌ من الزيادة، والنقص، والتحريف، كما أنّ السنّة النبويّة محفوظةٌ أيضاً؛ إذ إنّها وحيٌ مُكمّل لِما ورد في القرآن، قال -تعالى-: (وَأَنزَلنا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيهِم وَلَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ)، فالسّنة تفصّل ما جاء ذكره في القرآن عامّاً، وتكفّل الله بحفظ القرآن يتضمّن تكفّله بحفظ السّنة، ومن مظاهر حفظ الله للسنّة: حفظها في صدور الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- إلى أن تمّ تدوينها، ثمّ ما بذله العلماء من التدوين والحفظ، وبيان الصحيح من غيره
- ثبات الشريعة الإسلاميّة ومرونتها يُراد بثبات الشريعة الإسلاميّة؛ بقاء ما ثبت بالوحي من القرآن الكريم، وسنّة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ودوامه إلى اليوم الآخر، دون تغييرٍ أو تبديلٍ، ما لم يُنسَخ؛ سواءً ثبت باللفظ، أو المعنى، ودليل ذلك قول الله -تعالى-: (وَتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدقًا وَعَدلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّميعُ العَليمُ)؛ فكلّ خبرٍ، أو أمرٍ واردٍ عن الله -تعالى- مقطوعٌ به يقيناً، لا شكّ أو ريب فيه، وكلّ ما نهى عنه باطلٌ يقيناً، ولا يُمكن لأحدٍ التعقيب على ما صدر عن الله؛ سواءً في الدنيا، أو الآخرة، ولا يمكن تبديل الشريعة، أو تحريفها؛ إذ إنّها ربّانيةٌ لا يُقبَل من أحدٍ أيّ قولٍ في العقيدة، أو المبادئ، أو القِيَم، أو التصوُّرات، أو العادات إن خالفت ما أقرَّته الشريعة الإسلاميّة.
ومع كون الشريعة الإسلاميّة ثابتثابتة لا تبديل لها، إلّا أنّها شريعةٌ مَرِنةٌ تُحقّق مصلحة الأفراد مهما اختلفت أحوالهم وظروفهم، وممّا يدلّ على ذلك
إتيانها في بعض الأبواب بأحكامٍ عامّةٍ، دون أن تتعرّض للتفاصيل والجزئيّات، وإنّما تركت الأمر لاجتهاد العلماء بما يُحقّق المصلحة العامّة، كما في أحكام القضاء، والسياسة الشرعيّة، ونظام الحُكم. سكوتها عن بعض الأحكام، وجعل الاجتهاد فيها لأهل العلم، قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (فما أحَلَّ فهو حَلالٌ، وما حَرَّمَ فهو حَرامٌ، وما سَكَتَ عنه فهو عَفوٌ). تغيُّر الفتوى التي مردّها إلى العُرف بتغيّر الحال، والزمان، والمكان. اهتمامها بجلب المصالح ودرء المفاسد؛ رحمةً بالعباد، ورفعاً للحرج عنهم، قال الله -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ(
شمول الشريعة وعمومها لكلّ مكانٍ وزمانٍ تُعَدّ الشريعة الإسلاميّة شاملة لكلّ ما يحتاجه الإنسان، وما يمرّ به من المسائل والنوازل، مهما اختلف الزمان، والمكان، والحال، قال -تعالى-: (وَنَزَّلنا عَلَيكَ الكِتابَ تِبيانًا لِكُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحمَةً وَبُشرى لِلمُسلِمينَ)، فنصوص الشريعة، وما يُستنبَط منها من المعاني والدلالات شاملةٌ بشكلٍ مُطلَقٍ، كما أنّ السنّة النبويّة بيّنت وفصّلت ما ورد في القرآن بشكلٍ مُجمَلٍ، وبذلك كانت الشريعة شاملةً، ومُهتمّةً بالجوانب التي يحتاجها العبد جميعها، كالجانب التعبُّدي، والأخلاقيّ، والاجتماعيّ، والسياسيّ، والاقتصاديّ، وكلّ ما يحتاجه في حياته؛ لتكون بذلك مُغنِيةً عن غيرها. وممّا تميّزت به الشريعة أيضاً العموم؛ وكان على نوعَين، بيانهما آتياً:
- عمومٌ في الأتباع: فالشريعة الإسلاميّة عامّةٌ لكلّ الناس، وغير محصورةٍ في فئةٍ، أو جنسٍ، أو طائفةٍ كما كان حال الشرائع من قبل؛ فقد أرسل الله -تعالى- نبيّه محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم- للبشر عامّةً، قال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)،[١٢] وقال أيضاً على لسان نبيّه: (قُل يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّي رَسولُ اللَّـهِ إِلَيكُم جَميعًا(
عمومٌ في الزمان والمكان: فالشريعة الإسلاميّة لم تختصّ بزمنٍ مُحدَّدٍ، بل هي ناسخةٌ لِما قبلها من الشرائع، وغير منسوخةٍ، وذلك إلى قيام الساعة؛ فكانت بذلك صالحةً لكلّ زمانٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق