. الحركة الوطنيّة التونسيّة من 1945 إلى 1956
نجمت عن الحرب العالميّة الثانيّة ظرفيّة ملائمة لنضج الحركة الوطنيّة التونسيّة حيث تفاقمت الاختلالات الاقتصاديّة والاجتماعيّة على المستوى الداخلي. أمّا على المستوى الخارجي فقد تراجعت مكانة القوى الاستعماريّة التقليديّة وتبيّنت منظمة الأمم المتحدة مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير. ساعدت هذه الظرفيّة على تضافر نضال القوى الوطنيّة لخوض معركة التحرير والظفر بالاستقلال.
I- تضافر القوى الوطنية:
1- تكثيف النشاط في الداخل:
سعى الوطنيون إلى توحيد صفوفهم فشكلوا "جبهة وطنية" وعقودا في 23 أوت 1946 مؤتمرا عرف باسم مؤتمر ليلة القدر شاركت فيه كل القوى الوطنية وخاصة الحزب الحر الدستوري الجديد والحزب الحر الدستوري القديم إلى جانب المنظمات الوطنيّة... أجمع الوطنيون على المطالبة بالاستقلال. خاض الوطنيون نضالات عديدة من خلال الإضرابات التي اكتست أحيانا طابعا سياسيّا مثل إضرابات التجار في جوان 1947 وأفريل 1954 احتجاجا على السياسة الجبائيّة، الإضراب العام الذي قرّره الاتحاد العام التونسي للشغل في 4 أوت 1947، إضرابات عمال الضيعات الفلاحية الاستعمارية (سوق الخميس في ديسمبر 1949 والنفيضة في نوفمبر 1950) وإضرابات طلبة جامع الزيتونة سنتي 1950 و1951 بالخصوص.
2- البحث عن المساندة الخارجية والعمل على تدويل المسألة التونسيّة:
إثر قيام جامعة الدول العربيّة في مارس 1945 بالقاهرة، التحق بها عدد من الزعماء الوطنيين مثل الحبيب بورقيبة، الحبيب ثامر (عن الحزب الجديد)، محي الدين القليبي (عن الحزب القديم) للتعريف بالمسألة التونسية كما عرف بها جلولي فارس في باريس يوم 19 جانفي 1948 تاريخ انعقاد مؤتمر شعوب أوروبا وآسيا وافريقيا... أمّا فرحات حشاد (عن الاتحاد العام التونسي للشغل) فقد دعا من جانبه المنظمات النقابيّة الأمريكيّة للتضامن مع كفاح الشعب التونسي.
II- المقاومة المسلحة:
1- أسبابها:
- تنكّر فرنسا لوعودها وفشل المفاوضات التونسيّة – الفرنسيّة.
أعلن بورقيبة في أفريل 1950 عن برنامج يقتصر على المطالبة بالاستقلال الداخلي ممّا جعل الحكومة تتجاوب مع هذه المرونة وتعيّن مقيما عاما جديدا مهمّته تحقيق الحكم الذاتي لتونس تدريجيا فتشكلت حكومة تفاوضيّة في أوت 1950 لكن أمام تمسّك غلاة الاستعمار بامتيازاتهم فشلت المفاوضات وأعلنت فرنسا في مذكرة 15 ديسمبر 1951 عن تمسّكها بالسيادة المزدوجة وبقاء تونس مرتبطة بها إلى الأبد.
- تصعيد القمع الاستعماري.
أمام تصاعد المد التحرري، عينت فرنسا مقيما عاما جديدا جان دي هوت كلوك منذ مطلع 1952 شدّد الخناق على الوطنيين: إيقافات، نفي، إعدامات، إغتيالات (فرحات حشاد، الهادي شاكر...) حملات تمشيطيّة في مختلف جهات البلاد، فرض الرقابة على الصحف... رغم سياسة التصلّب أكدّ الحزب الحرّ الدستوري الجديد "عزم الشعب التونسي بكلّ ما أوتي من قوّة لتحقيق مبادئ ميثاق الأمم المتحدة".
2- مظاهرها:
منذ جانفي 1952 ظهرت حركة المقاومة المسلّحة (الفلاقة كما يسميها البعض) ضمّت حوالي 3000 رجل، شنّت حرب عصابات ضدّ السلط الفرنسيّة وضدّ الموالين لها. تميّزت الحركة بتنظيمها المحكم خاضت عدّة معارك مثل معركتي جبل اشكل وجبل عرباطة...
III- من الحكم الذاتي إلى الاستقلال التام:
* صمد الشعب التونسي أمام سياسة القمع الفرنسيّة خاصة وأنّ فرنسا كانت تمرّ بمصاعب عديدة في مستعمراتها ممّا جعل رئيس حكومتها منداس فرانس يعلن في 31 جويلية 1954 استعداد فرنسا منح تونس الاستقلال الداخلي فتشكّلت حكومة تونسيّة تفاوضيّة جديدة برئاسة الطاهر بن عمار شارك فيها الحزب الحرّ الدستوري التونسي وتوّجت المفاوضات يوم 3 جوان 1955 بإمضاء اتفاقيات الحكم الذاتي.
* اعتبر معظم الوطنيين أنّ الاستقلال الداخلي خطوة أولى نحو الاستقلال التام ومع تواصل صمود الشعب وحصول المغرب على استقلاله وتصعيد المقاومة الجزائريّة أجبرت فرنسا على الدخول في مفاوضات جديدة مع تونس توّجت بإبرام بروتوكول الاستقلال في 20 مارس 1956.
كان الاستقلال ثمرة كفاح أجيال من التونسيين شاركت فيه مختلف فئات المجتمع وكافة الأطراف الوطنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق