الرئيسية الالتزام عند سقراط

الالتزام عند سقراط



كلمة صاحب العمل: 

".... الالتزام هو من الإلزام، بينما يختلف عنه في أنّ الأوّل هو فعل إرادي عن سابق إصرار و قناعة، بينما الثاني هو آلية تحركها قاعدة الإجبار و التقييد قبل التقيّد.
الالتزام هو نابع من الكبح، بحيث أن هناك حدودا تضبط الإنسان، فلا يناقشها بقدر ما يسير جنبا إلى جنب مع مخافة الوقوع فيها.
و قد يتحوّل الإلزام إلى التزام، و قد يكون العكس، و لكن الفرق بين التحوليْن هو في أنّ الأوّل مفضَّل، و الثاني مكروه.
فالالتزام أمام المجتمع محبوب، و أمام القانون وجوب، و أمام المعتقد ذا نوازع نشوب، و أمام الذات أكثر من مرغوب.
يا ساكني الأرض في القرن الواحد و العشرين، أتمنى و أنا منكم، أن تلتزموا بحدود التفلسف، و أن تلتزموا بأداء أمانة العلم و الفلسفة إلى أصحابها النبيين و العظماء، و من لا يعي ظروفه لا يلتزم بما أتت به ظروفه.
الالتزام أمام العقل، و الذات و النفس فالفكر و الفلسفة و المجتمع و القانون و الدولة إضافة إلى الأمّة، هو ما يحتاج إليه الفرد، و لا يكون في هذا أيّ إجبار، فالموعظة ليست في الإلزام سوى إن كان في بداية الطريق، و ما النظام سوى التزام يبدأ من الفرد فمحيطه لينتهي إلى المنظومات و المؤسسات قاطبة. فأمر الالتزام ليس هيّنا على الإطلاق، و لن يكون كذلك....."[1]
سقراط و فترات التزامه:
الالتزام القانوني:
المتأمل في حياة سقراط، هذا الفيلسوف الذي يثير الكثير من الجدل و الآراء، حتما لن تفوته و هو يقرأ ما جرى له و على يديه، تلك اللحظة التي تثير الشفقة في نفوس كثيرة، لحظة إعدامه:
كريتون يتوسل إلى سقراط قائلا: " يا سقراط! لا تزال الشمس مشرقة فوق الجبال، و لا حاجة لأن تتسرع و تشرب السم، فلم يحن الموعد بعد" و لكن سقراط نفذ إرادته و شرب السم أمام الملأ.
أبى سقراط أن يهرب، قائلا: ".... ألا أطيع أنا القوانين التي حمتني حتى الآن، لقد لزمت موقعي في الجيش حيثما كان القادة يضعونني، أفلا أقف صامدا في موقعي الآن بحيث وضعني الإله، أيكون الهرب من الموت يشبه سلوك أخيل في الإلياذة....."[2]   
فسقراط يلتزم بما نصت عليه قوانين أثنا، و يحث تلامذته الذين تجمهروا حوله على الوفاء لمدينة أثنا و روح قوانينها، حتى أنّ أفلاطون يؤكد على أنّ سقراط أمضى يوم إعدامه و هو يحدث و يجادل كل من حوله محاولا إثبات "خلود الروح" واضعا أمام الأثينيين بوضوح فكرة الالتزام القانوني حيّز التطبيق، حتى و لو كان في ذلك هلاكه، الذي حدث بالفعل قبل المغيب.
الالتزام الفكري و الفلسفي:  
1.    في المعرفة:
كما أنّ فيلسوفنا "سقراط" ألتزم بحدود معيّنة في الفلسفة و الفكر، و هذا ما بدا واضحا من خلال محاوراته مع بروثاغوراس و جورجياس و غيرهم من محاوريه، فقد أخذ على عاتقه أن يظهر بمظهر الغير راض عما يجري في أثنا آنذاك، فراح يحاور على بيّنة و تبيينا بأنه لا يمتلك الحكمة كأطراف أخرى، كانت
تدعى احتكار المعرفة، و قد التزم بعدم التجبر و هو يقود شباب أثنا إلى دمقرطت المعرفة حتى أصبحت الفلسفة فعلا سوقيا.
2.    في الفضيلة:
فقد التزم سقراط بتوضيح أنّ بلوغ الفضيلة هي في الخوض فيما نعرفه أو كما يقول سقراط ما هو يبدوا معروفا بالنسبة لنا، و قد ألزم نفسه التحدث عن الفضيلة بالتحدث عن المعرفة، فكانت الحدود العقلية واضحة في الفعل الفكري لدى سقراط، و الالتزام بها هي من أساسيات الفعل الفلسفي، فمعرفة الخير هو ما يقود إليه، و معرفة الشر هو ما يدفع إلى تجنبه، و الالتزام بطلب المعرفة هو التزام بطلب الفضيلة التي بدورها تؤدي إلى سعادة البشر.
3.    في ما وراء الطبيعة:
و في هذا المجال نجد سقراط ملتزما كعادته، فهو في هذا اقتنع بوجود اله مفرد، و وجود الوهية شاملة و واحدة، و هو ما جعله يخالف المجتمع الأثيني في ذاك الزمن حين كانوا يعتقدون بتعدد الآلهة، مما دفعه التزامه في هذا الأمر أن يقول لأحد الملوك: "إن عبادة الأصنام نافعة للملك ضارة لسقراط، لأن الملك يصلح بها رعيته ويستخرج بها خراجه، وسقراط يعلم أنها لا تضره، ولا تنفعه، إذا كان مُقرًّا بأن له خالقًا يرزقه، وجازيه بما قدم من سيئ أو حسن"[3]   
4.     في منهجه الفلسفي:
و قد قاد الالتزام سقراط إلى الأخذ بمنهجيْن في الحوار "التوليدي و التهكمي" فجعلهما طريقة للتساؤل و الإجابة في كلّ محاوراته و جلساته الفكرية، فلا يذكر أفلاطون أكثر من منهجيْن لسقراط، فحتى في لحظات اتهامه بـ: "الإلحاد و إفساد الشباب"، و إثبات التهم عليه، لم يتخلى عن المنهجيْن في الحوار اللذان عجزا عن الدفع بالتهم المنسوبة إليه، و بالتالي وقع ضحية التزامه المنهجي أيضا.
الالتزام في حياته الخاصة:
سقراط الملتزم في فكره و فلسفته و لحظاته الأخيرة لم تكن سوى انعكاسا لالتزامه في  حياته الشخصية، فقد كان زاهدا، و غير مهتم بهندامه و جسده، حتى أن روايات كثيرة تصفه بالأشعث الأغبر و النتن، لأنه كان يعتبر الجسد هو ما يعيق الروح في بحثها عن الكمال، و هذا ما جعل من حياته الزوجية كابوسا، فلطالما اشتكت زوجته كسانتيبي إلى الآخرين سوء إدارة سقراط لبيته و إهماله لها، و كما جاء في كتابات أخرى أن سقراط كان غير متفهم لوصايا الآلهة. كما نظر إلى بطش أصحاب الحل و الربط على أنهم مساعدين له لتسهيل أمر انتقاله إلى الخلود.  


خاتمــــة:
سقراط أعتبره الدارسون له على انه نقطة تحوّل للفلسفة، و لكنني أجد أن نقطة التحول هذه لم تكتمل إلا بالتزامه الذي أخذ شكل التضحية في آخر حياته، لربما نجد حزب الفيلسوف الالماني نتشه يخالف هذه الفكرة، و لكن ما هو مشترك لدى الجميع هو أنّ سقراط هو نقطة تحوّل فكري و فلسفي

هناك تعليق واحد:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.