الرئيسية نموذج لفرض مراقبة أو تأليفي في الشعر الجاهلي مع الإصلاح

نموذج لفرض مراقبة أو تأليفي في الشعر الجاهلي مع الإصلاح

نموذج  لفرض مراقبة   أو تأليفي  في الشعر الجاهلي 
مع الإصلاح

الموضوع
ليس شعر جميل سوى ترجمة فنية لتجربة حب مذاقها المعاناة والحرمان.
حلل هذا الأي مدعما إياه بشواهد منتخبة.
الإصلاح
المقدمة:
 لقد نشأ شعر الغزل العذري في ببيئة حجازية بدوية تخضع لمنظومة من القيم الأخلاقية كان لها بالغ الأثر في تجربة العاشق والمعشوق، ومن أبرز شعراء هذا الغزل البدوي جميل بن معمر الذي اعتبر بعضهم أن شعره "ليس سوىترجمة فنية لتجربة حب مذاقها المعاناة والحرمان."
فما خصائص التجربة الفنية في غزل جميل بن معمر؟
وما أوجه المعاناة والحرمان فيه؟
الجوهر:
 يحصر هذا الموضوع غزل جميل في ترجمة الشعر للشعور، فجعل القصيدة انعكاسا لحقيقة المعاناة العذرية ، ولقد يقتضي منا العمل حينئذ أن نبدأ بعرض الخصائص الفنية سبيلا لإدراك المعاني والمعاناة المترجمة من خلالها.
إن قصيدة جميل بن معمر في غزله العذري حافلة بالتميز الفني فقد جعلت منالغزل غرضا مستقلا بذاته ، به تبدأ القصيدة وتنتهي بعدا ان كان قسما تابعا في النموذج الجاهلي يسمى النسيب ، به تفتتح جميع الأغراض.
فجميل يبدأ قصيدته مباشرة متغزلا إذ يقول :
أبى القلب إلا حب بثنة لم يرد سواها / وحب القلب بثنة لا يجدي
وقد توسل في سبيل التعبير عن حبه استعمال لغة بسيطة ، فهي مفهومة إلى حد الوضوح ، وموهمة إلى حد محاكاة الخيال ، تتردد فيها عبارات المعاناة إلى حد نثر تفاصيل حياته:
أمشي وتمشي في البلاد / كأننا أسيران للأعداء مرتهنان
إن معاناة جميل ههنا معاناة اجتماعية عبر عنها في صورة شعرية بسيطة تقوم على التشبيه أساسا.
ولعل السجلات العذرية الطافحة بالمعاناة مما يعبر عن مذاق تجربة جميل المرّة، ولكنها مررارة ممتزجة بعسل العشق الروحي الأبدي الأزلي الذي يستحيل فيه الغياب حضورا والحضور غيابا، فتتردد مفردات (الهجر -العتاب- الخصومة -الشوق-..)
فقصيدة جميل إذن يتردد فيها ضمير الأنا عادة (روحي- أمشي- أصلي- ضمنت) تحقيقا للوظيفة التعبيرية للغة وقليلا ما يحضر ضمير المخاطب (خليلي -أفق- ) لتحقيق الوظيفة التأثيرية الخطابية وأندر من ذلك حضور ضمير الغائب الذي يعود على الحبيبة ( قالت- ضمنتْ- روحها..).
يضاف إلى ذلك إيقاع حزين تغلب عليه الغنائية فالبحور رصينة ثقيلة ومزدوجة ازدواج المعاناة (بحر الطويل مثلا) وحروف الروي أنين ورنين (النون مثلا) وتاوه وتنهد وشدة وتشدد (الدال) صدى للقوة والضعف والألم والأمل.
تترجم كل هذه الخصائص الفنية حقيقة المعاناة التي ذاقها جميل في علاقته ببثينة، ترجمة شعرية صادقة يتماثل فيها عالما الشعر والشعور.
فما أوجه المعاناة والحرمان في شعر جميل؟
إن معاناة جميل ذات وجهين فهي معاناة ذاتية نفسية وأخرى اجتماعية حسية، فالأولى مصدرها الذات المرهفة والرقيقة والثانية مرجعها المجتمع المحافظ بعناصره المعرقلة.
لقد كان جميل يتطلع إلى حب مثالي لابداية له ولا نهاية فهو أزلي أبدي يمتد قبل الخلق وبعده في نظره، ليتجاوز حدود المكان والزمان، من هنا سر مأساته وجوهر معاناته فهو مثالي لا واقعي ، يجنّح في عوالم الروح وفلسفة المثل ، أليس هو القائل :
"وليس إذا متنا بمنتقض العهد" فلا حبه يموت بل "وزائرنا في في ظلمة القبر واللحد".
لذلك ظل محافظا على العهد ييبكي في حرقة وصمت متغنيا بمعاني الشوق وشاكيا باكيا في الصلاة وغير الصلاة كاشفا عن حرمانه من لقاء الحبيبة ورسوخ حبه لها .
أما الوجه الأخر للحرمان والمعاناة فهو وجه اجتماعي ، إذ تتعدد العناصر المعرقلة في بادية الحجاز (وادي القرى) فمنها الرقيب والواشي والمؤنب والمزري والعاذل والعين .. وقليلا ما نجد مساعدا (الخليلان)، لذلك تتعمق مظاهر الحرمان فلا وصال و لا لقاء إلا في عالم الخيال عبر آلة الحلم والقصيدة المسافرة إلى الحبيبة رغم الحصار.
إن معاناة جميل هي معاناة العشاق العذريين فنصغي من خلال قصائده إلى حرارة وجدانه وحرقة قلبه ، فكانت القصيدة ترجمة فنية صادقة لمعاناته وحرمانه.
الخاتمة:

 الغزل العذري أولا وأخيرا رنين وانين ، فالشاعر يترنم شعرا ويتألم وجدانا ، ويعبر عن الحنين إلى الحبيبة لغيابها فيطرب المتلقي ويمتعه ، فيحقق الإبلاغ بالبلاغة ، ويبلغ الإمتاع بالإبداع وتلك اقصى مقاصد الشعر وأرقاها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.