الرئيسية الاستخلاف

الاستخلاف

الاستخلاف
مؤهلات الاستخلاف
ما كان الله ليستخلفَ الإنسان ويقيمه مقامه في عمل ناءت بحمله الجبال والسماوات والأرض، إلا لما زوّد به هذا الإنسان من خصائص ومميّزات رفعته عن مستوى يكون فيه "مجرّد مسـرح للإبداع" إلى مستوى يجعله "منتِجا للإبداع"، ومن "مَظهَر لدقيق الصنع" إلى "مُظهِر لدقيق الصنع"، تجلّت في عقل" مطلق الإدراك" عبر رحلة التجدد الدائمة، وفي إرادة مطلقة التصـرف من خلال حتميات طبيعية راسخة، وفي "عمل" مطلق الإمكان متراكم الثمرات بمرور الزمان، وفي مقومات متنوعة هي جسور بين الإنسان ومحيطه، تتشكل مع الأيام أشكالاً كثيرة، فكل حي من الأحياء المحسوسة والغيبية له استعداد محدود، وعلم إلهامي محدود، وعمل محدود، وما كان كذلك لا يصلح أن يكون خليفة عن الذي لا حد لعلمه وإرادته... وأما الإنسان، فقد خلقه الله ضعيفاً، ولكنه مع ضعفه يتصـرف في الأقوياء، ومع جهله في نشأته يعلم جميع الأسماء، فالإنسان بهذه القوة غير محدود الاستعداد ولا الرغائب، ولا محدود العلم ولا محدود العمل...".
ولعلك تجد غرابة في إفاضة هذه "المطلقات" على إنسان لشد ما وصم بالضعف، ولكني لا أجد أي تناقض بين الأمرين، ما دام تواردهما على حالين مختلفين، فالإنسان محدود الطاقات كفرد، مطلقها كجنس، نسبي المعرفة في حقبة معينة مطلقها إذا توالت الحقب، واجتمعت التجربة إلى التجربة، وانضافت الخبرة إلى الخبرة، وتضافرت وشدّ بعضها بعضا لتقوم على سوقها بناء متكاملاً هو المطلق في توحده النسبي في تجزئه، فيلتقي المقيد بالمطلق، ويتعانق النسبي والمجرد، لتصل المعرفة الإنسانية بعدها الأقصى في "رؤية الله" يوم القيامة. وأسوق مسألة الرؤية هذه بعيدا عن المزايدات المذهبية، لأقرأها قراءة وظيفية راسخة القدم في الواقع، إذ تمثل - حسب ظني - شهادة بأن الإنسان سيدرك كل شيء في الأرض من" المقيدات "، ذلك ما أفهمه من قوله: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ﴾  فتأتي "رؤية الله" في الآخرة تتويجاً للرؤية "الأرضية" التي حصلها الإنسان بعد رحلة طويلة من البحث المتواصل عبر مسالك الخطأ والصواب.
1- قيم الاستخلاف:
هي مهمة اختار الله لها الإنسان يوم أصدر ذلك الإعلان الكوني على مشهد من الملائكة فقال: "إنّي جاعل في الأرض خليفة" (البقرة: 30)، وهو عهد من الله للإنسان أن يعمّر الأرض ويقوم بشأنها، وينتفع بها. ومكّنه منها،وجعل له سلطانا عليها.

ويستنكف كثيرون أن يفسروا الخليفة بالنائب مناب الله القائم مقامه في الأرض حكما وفعلا وتغييرا، بحجة أن الخلافة لا تتحقق للخلف إلا بعد ذهاب السلف، وهذا ما لا يجوز على الخالق. وهذا التلازم المدّعَى غير ضروري، فإنا نقرأ قوله تعالى: "وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء" (الزمر: 74)، فنرى الله يورث عباده الجنة، فهل يلزم من ذلك موت المورِّث أو غيابه. كذلك الشأن بالنسبة للخلافة، ينوب الإنسان ربّه دون غيابه أو خلوّ الأرض من سلطانه وإرادته، لأنّ الإنسان بعض إرادته. ويؤكّد هذا المعنى قوله تعالى: "يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض، فاحكم بين الناس بالحق" (ص: 26(

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.