الرئيسية الفرق بين البعد التركيبي والبعد الدلالي والبعد التداولي

الفرق بين البعد التركيبي والبعد الدلالي والبعد التداولي

الفرق بين البعد التركيبي والبعد الدلالي والبعد التداولي
البعد التركيبي للنمذجة النسقية:
يبدو أنّ النمذجة النسقية كممارسة علمية تتقدّم كحلّ لمجموعة من الصعوبات التي اعترضت العلماء في تفسيرهم للظواهر، صعوبات تتعلّق بأزمة أسس الرياضيات، أزمة الحتمية في الفيزياء، فهذه الصعوبات أدّت إلى انهيار اليقين العلمي و تفكيك العقل العلمي، بالإضافة إلى الوعي بالطابع المركّب للظواهر و الذي رافق ظهور علوم جديدة، علوم تطبيقية كالسيبارنيتيقا و علوم الهندسة و الإعلامية، كلّ هذه العوامل أدّت إلى ظهور النمذجة باعتبارها الحلّ لاستعادة ضرب من الثقة في العلم الذي برهن على قصوره على تناول الظواهر اللامتناهية في التركيب وفق البراديغم الكلاسيكي الوضعي الذي تمثّل في النمذجة التحليلية. و النمذجة النسقية كحلّ لدراسة اللامتناهي في التركيب تتقدّم هي ذاتها كمنهج مركّب، منهج فيه أبعاد مختلفة و كلّ بعد يتضمّن عناصر مختلفة و عموما تقوم النمذجة على الدراسة النسقية للتوافق بين أبعاد ثلاثة:
 البعد التركيبي:
يشمل كلّ ما يتعلّق بالعناصر الأوّلية كالأرقام و الرموز و قواعد تنظيم هذه الرموز في علاقات بالإضافة إلى الصيغ و القضايا.
 البعد الدلالي:
يشمل كلّ مضامين القواعد و ما يعطي معنى للنسق و بالتالي مختلف التأويلات.
البعد التداولي:
يتحرّك ضمن مسار إدماجي للمعرفة و الممارسة و يتعلّق بالتعديلات التي تجرى على النسق و وظائف النماذج المختلفة بالإضافة إلى التمثيلات التي ينتجها النموذج. و يجب أن نلاحظ أنّ هذا الفصل بين هذه الأبعاد الثلاثة ليس إلاّ فصلا إجرائيّا يرتبط بديدكتيك التعليم، ذلك أنّ هذه الأبعاد الثلاثة تتداخل في ما بينها و تمثّل بنية على المنظّم أن يأخذها في كلّيتها بما هي تعبير على نموذج واحد يتحدّد هو ذاته كبنية.


 أبعاد النمذجة:
ترتبط النمذجة بالممارسة العلمية ولكنها لا تقتصر عليها ،إذ أن التفكير الإنساني يكاد يرتبط بالنمذجة في مختلف مجالاته ومستوياته.فما الذي يميز النمذجة العلمية عن غيرها من مجالات النمذجة؟
تتقوم النمذجة العلمية بتوفرها على ثلاثة أبعاد بحيث يمثل توفرها شرط إمكان ربط ممارسة ما بالعلم. هذه الأبعاد الثلاثة هي :البعد التركيبي والبعد الدلالي والبعد التداولي. يجب أن ننتبه منذ البداية إلى ملاحظة أولى مفادها أن تناول هذه الأبعاد بشكل مستقل تستدعيه فقط الضرورة المنهجية نظرا لما تتميز به هذه الأبعاد من تداخل وتفاعل بما يجعلها مترابطة فيما بينها.
البعد التركيبي:
يتعلق البعد التركيبي بمستوى مشكل صياغة النموذج بما يوفره من إمكانات الفهم والتفسير لمبتكر النموذج. تتشكل هذه الصياغة أساسا بما هي صياغة رمزية. وهذه الصياغة الرمزية تضل مشروطة بمدى قدرة النموذج على الايفاء بمقتضى التوافق بين بنيته الرمزية و امكان تأويله. بمعنى أن النموذج العلمي يسمح بالانتقال من الكائن الى النموذج ومن النموذج الى الكائن من خلال فعل تأويلي.
وفق هذا التحديد يفيد البعد التركيبي نسقا أي بنية تمثل كلا منظما يتشكل من علامات ورموز تترابط فيما بينها وفق قواعد محددة ليعبر بذلك عن بناء رمزي يتأسس على مجموعة من الأوليات ومجموعة من القواعد الصارمة التي تحدد استخدام الرموز.
تفترض النمذجة أن كل مجال من مجالات الواقع الذي يهتم به المنمذج يتشكل كبنية ونظام من العلاقات. فكل نموذج هو بنية من العلاقات التي تنتظم داخلها مجموعة من العناصر المترابطة. هذه العناصر تترابط وفق مجموعة من القواعد الذاتية والمستقلة عن كل تأثير خارجي، وبالتالي فان النموذج ذاته تتم صياغته صياغة أكسيومية . فالنموذج يتشكل من مجموعة من العناصر الأولية تتخذ صورة أرقام أو رموز أو أشكال وقواعد تنظم هذه العناصر في علاقات.
تتشكل بنية كل نموذج من مجموعة من الثوابت (constants ) من جهة ومجموعة من المتغيرات من جهة ثانية (variables )و مجموعة من الثابتات (relations ) لتي تحدد وجه العلاقة بين الثوابت والمتغيرات.
يسنوجب هذا البناء الأكسيومي للنموذج جملة من الشروط الأولية التي يجب توفرها في كل نموذج حين ننظر اليه من الجهة التركيبية:
- أن يكون متماسكا بمعنى أن لا يتضمن مبرهنات تكون متناقضة فيما بينها.
- أن يكون تاما بمعنى أن لا يتضمن قضايا لا يمكن البرهنة عليها كما امكان دحضها من داخل الاكسيوم ذاته.
- أن يكون مستقلا بمعنى أن لا يحتاج الى مصادرات تحتاج الى استنباطها من مصادرات غيرها.
- أن يكون قطعيا بمعتى أن يتوفر على تمشيا برهانيا يكون معه من الممكن أن نحكم عليه بالصلاحية أو الخطأ.
- أن يكون أخيرا مشبعا أي أن لا يحتاج الى استخدام أكسيومات من خارج النسق ذاته.
وعلى مستوى خاصياته التركيبية، يقتضي النموذج أن يكون متماسكا (أن لا يتضمّن مبرهنات متناقضة)، تامّا (أن لا يتضمّن قضايا لا تقبل البرهنة أو الدحض)، مستقلاّ (أن لا يتضمّن مصادرات تحتاج أن نستنبطها من مصادرات أخرى)، قطعيا (أن يتضمّن تمشّيا برهانيا يسمح بالحكم على قضيّة ما بالصواب أو الخطأ)، مشبعا (أن لا يحتاج إلى استخدام أكسيومات إضافية من خارج النسق).
بذلك يمكن تحديد النموذج من جهة بعده التركيبي بما هو:"انشاء مجرد يفترض أنه يقدم مقاربة شكلية ومثالية لمجال محسوس نهتم به وتكون بنيته بسيطة كفاية، لتكون قابلة للوصف عن طريق مصادر مفهومية تكون في حوزتنا."
البعد الصوري للنموذج:
النمذجة في هذا المستوى تفيد فاعلية بناء لغة مناسبة تمكن من قول حقيقة الكائن الذي لا نعرفه. هذه اللغة المناسبة هي اللغة الصورية باعتبارها الأقدر على تمكيننا من الاقتراب من الواقع، وهو ما يعني أن النموذج هو اصطناع عقلاني؛ فكل نموذج في بعده التركيبي يتكون من مجموعة عناصر أولية أو رموز أو أوليات أو مصادرات (تكون أساس البرهنة)ومن مجموعة قواعد منظمة لهذه الرموز في علاقات قابلة لتأويل دلالي. بناء النموذج إذن يخضع لمقتضى أولي هو مقتضى الصورنة أي اعتماد علامات ورموز اصطناعية في تمثيل العناصر المشكلة للنموذج.
ترتبط الصورنة إلى حد بعيد بالترييض أي اعتماد لغة الرياضيات كلغة للعلم غير أن هذا المقتضى يضل نسبيا، باعتبار أنه لا يمكن تمثيل جميع الكائنات تمثيلا رياضيا صارما ،وإنما بدرجات متفاوتة حسب مدى قابلية الكائن للترييض. فإذا ما كان الترييض متيسرا داخل العلوم الطبيعية فانه يضل متعذرا داخل العلوم الإنسانية إلى حد ما نظرا لخصوصية الموضوع الإنساني. بسبب هذه الصعوبة فإننا نتحدث عن ضربين من الأكسيومات :أكسيوم مكتمل أو نموذج أكسيومي وأكسيوم شبه مكتمل أو نموذج شبه أكسيومي. النموذج الأكسيومي هو النموذج الذي تكون كل عناصره الأولية وأولياته وقواعده بينة الوضوح، فيما يكون نموذجا شبه أكسيومي في حالة افتقدت عناصره الأولية وأولياته الوضوح وقواعده للصرامة.
البعد الدلالي:
يحيلنا البعد التركيبي على البعد الأكسيومي المميز للنموذج العلمي بما هو بنية مترابطة من العناصر الرمزية الخاضعة لقواعد منطقية. غير أن هذا البعد الصوري وهذه اللغة الاصطناعية لا يمكن اتخاذها غاية في حد ذاتها بحيث يكون إنشاء النموذج بمثابة اللعبة الذهنية الخالية من كل دلالة ومعنى، والمستقلة تماما عن كل علاقة ممكنة بالواقع. وعلى هذا الأساس فالبعد التركيبي أو الصياغة الصورية للنموذج لا يمكن أن تكتسب قيمة علمية إلا إذا تم تطبيقها في وضعيات خبرية تجريبية بحيث تكتسب الرموز المجردة دلالة عبر تأولها وترجمتها في حدود فيزيائية أو غيرها، وبذلك تعبر البنية التركيبية عن بنية واقعية ليكون البعد الدلالي بمثابة تأويل للبعد التركيبي.
* النموذج والواقع
على هذا الأساس يمثل البعد النظري الخالص أو الرياضي للنموذج أو النظرية العلمية بعدها التركيبي في حين يمثل إسناد قيم أو دلالة إلى الرموز المجردة عبر تأويلها البعد الدلالي.ووفق هذا القول نسمي بنية نموذج ما الصورة التي يكون عليها عندما يكون رمزيا أو مجردا في حين تسمى حالة نموذج ما الصورة التي يكون عليها حين نقوم بتأويل الرموز فنسند إلى المتغيرات والثوابت قيما عينية (مضمونا واقعيا.
ان هذا البناء الرمزي الأكسيومي للنموذج لا يعني اننا بصدد لعبة ذهنية خالصة ليس لها أية علاقة بالواقع. انما تشير الخاصية التركيبية للنموذج الى الى مبدأ المعرفة ذاتها أي أن يصبح الواقع معقولا. غير أن دلالة الواقع هنا تأخذ بعدا مستحدثا يمكننا النظر في البعد الدلالي للنمذجة من ادراكها.
يحيلنا النظر في هذا البعد الى النظر في علاقة العلامات الرمزية التي يتشكل منها النوذج مع الواقع. يقوم هذا النظر على اساس التأكيد بداية ةعلى أن الصياغة الصورية للنموذج ذاتها لا تكتسب دلالة ومعنى ولا قيمة علمية الا في اطار امكانات تطبيقها في وضعيات تجريبية من خلال تأويل الرموز المجردة عبر تحويلها الى قيم عينية. ان النموذج بما هو نسق صوري انما يعبر عن بنية واقعية نتحقق منها من خلال التحقق عن مدى توفر التلاؤم ما بين النموذج والواقع
* النموذج والنظرية
ليس النموذج نظرية علمية اذا فهمنا النظرية العلمية بما هي النسق من المبادئ و المسلمات والاجراءات المنهجية التي تتيح لنا معرفة الواقع في كليته. فالنموذج أقل طموحا و أكثر كفاءة اذ يتعلق الامر بالوظيفة الاستكشافية للنموذج بما هي الوظيفة التي تمكننا من تثبيت المعرفة القائمة وحصرها في اطار مشروع علمي يسمح من جهة أولى بعملية تراكم المعرفة زواثرائها وتنظيمها ولكن كذلك التأكيد على الطابع المفتوح للفاعلية العلمية وقابلية كل نموذج للمراجعة واعادة النظر بحيث تقترن قيمة كل نموذج بمدى قدرته على توليد نماذج جديدة ومتنوعة.
البعد التداولي:
يرتبط البعد التداولي في النمذجة بالمستوى الإستعمالي للنموذج. فالبعد التداولي هو البعد الذي يبحث في استعمالات النموذج المرتبطة بالهدف والغاية من بنائه. هذا البعد لاستعمالي للنموذج يمكن تفصيله إلى مستويين مستوى الفاعلية النظرية ومستوى الفاعلية العملية، ولو أنه يجب الانتباه إلى أن هذا الفصل هو فصل منهجي لا غير إذ لا يمكن في إطار النمذجة الفصل فعليا بين المستويين.
- مستوى فاعلية الفهم: يتعلق الأمر في هذا المستوى بالهدف من بناء النموذج حيث يمثل النموذج الوسيط بين العملية العلمية والواقع. إن الواقع بما يقوم عليه من تركيب يجعل من كل محاولة لإدراكه متعذرة لذلك فنحن نلتجئ للنموذج من خلال فاعلية التبسيط لهذا الواقع المركب لنتمكن من فهمه. تخضع عملية التبسيط هذه لاختيارات مسبقة من طرف المنمذج تتعلق بالغاية العملية وبالمشكل الذي يبحث له عن حل . إيجاد الحل العملي لمشكل ما هو الذي يوجب فهما دقيقا للموضوع أي تمثيلا دقيقا لبنية الكائن الذي نشتغل عليه.

- مستوى فاعلية الانجاز والتحكم: توفر الوظيفة المعرفية للمنمذج إمكانات لاتخاذ القرار بما توفر له من معطيات ضرورية تجعل من عملية اتخاذ القرار ممكنة إذ أن فهم كيفية اشتغال النموذج وتبين العناصر المكونة له وتحديد صيغة العلاقات التي تترابط ضمنها عناصره يجعل من إمكان اتخاذ القرار واختيار الحل الأنسب والتحكم في النسق ممكنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.