الحقيقة من منظور فلسفي
تعتبر
الحقيقة هدفا لكل بحث علمي و لكل تأمل فلسفي, إنها الغاية التي ينشدها كل إنسان سواء
في علاقات اجتماعية أو في حياته الشخصية أو في علاقته بالوجود. غير أن مفهوم الحقيقة
يتصف بنوع من الغموض سببه تعدد الحقائق، و تعدد مصادر المعرفة كما تطرح صعوبة تمييز
الحقيقة عن أضدادها نتيجة تداخلهم، و هو ما يستوجب وضع مفهوم الحقيقة موضع سؤال. إذ
يقتضي الأمر في البداية معرفة الحقيقة و تحديد دلالتها ، ثم إبراز الوسائل المعتمدة
للوصول إلى الحقيقة (هل هو العقل أم الحواس), و أخيرا تحديد معيار التمييز بين الحقيقة
و اللاحقيقة.
الرأي و الحقيقة:
غاستون باشلار: الرأي عائق أمام الحقيقة
الحقيقة
يجب أن تنفصل عن الرأي, لأنه يشكل عائقا معرفيا لها و لتقدم العلم, و يحول دون بلوغها
و دون بناء المعرفة العلمية, لكونه نتيجة لتجربة متراكمة قد تحتوي بدون وعي أخطاءا
و أوهاما و تناقضات. لهذا يجب هدم الرأي و تخطيه أثناء السعي إلى الحقيقة. فالحقيقة
العلمية لا تنبني على الإفتراض و إنما على بحث علمي خاضع لمنهجية دقيقة.
قولة:
لا يمكن تأسيس أي شيء على الرأي… لأنه أول عائق ينبغي
تخطيه
ليبنتز: الرأي القائم على الإحتمال ضروري في بناء المعرفة
الرأي
القائم على الإحتمال قد يشكل مدخلا نحو بلوغ اليقين و الحقيقة, لأنه ضروري في بناء
كل معرفة إنسانية بما فيها المعرفة التاريخية و الإجتماعية, و خاصة علوم البرهان و
المنطق التي تشكو من النقص بفعل ضعف درجة الإحتمال فيها. لهذا فالرأي أيضا له دور في
تأسيس المعرفة الإنسانية و العلمية.
قولة:
الرأي القائم على الإحتمال قد يستحق اسم المعرفة
معايير الحقيقة:
رونيه ديكارت: معيار الوصول إلى الحقيقة هو البداهة
معيار
حقيقة الأشياء هو البداهة, فالأفكار الحقيقية و الدقيقة تتوفر على خصائص البداهة و
تكون واضحة و متميزة و بسيطة, حيث يتم التوصل إليها عن طريق حدس البديهيات العقلية
و استنباط الحقيقة العلمية منها بدون تجربة الحواس الخداعة. لذا فالحقيقة معيار ذاتها,
و الشك ضروري للوصول إلى بداهة الأشياء.
قولة:
لا نقبل إلا الأفكار الواضحة و المتميزة
ليبنتز: معيار الحقيقة هو البرهان و المنطق
معيار
صدق الأفكار هو بعدها المنطقي, فالأفكار الحقيقية هي الأفكار التي تخضع للبرهنة و الإستدلال
المنطقي. لذا يجب عدم قبول صدق فكرة دون البرهنة على صحتها بشكل منطقي و واقعي فقط
عن طريق الإكتفاء بدرجة معينة من الإحتمال.
قولة:
{يلحق الخلل مادة الشيء, حينما نقبل… بالتخلي عن ما هو مبرهن و العودة إلى المبادئ}
الحقيقة بوصفها قيمة:
ويليام جيمس: قيمة الحقيقة تتمثل في تحقيقها للمنفعة
الحقيقة
ليست قيمة في ذاتها, و إنما تكمن قيمتها في منفعتها, أي في كونها وسيلة لتحقيق غايات
و رغبات مرتبطة بالجانب المادي الذي يتمثل في السعي إلى تحقيق المنفعة و المصحلة. فالشيء
الحقيقي في الأصل هو ما يحقق للذات منفعة و يتم إخضاعه لتجربة الواقع, فإذا كان نافعا
للفكر و مفيدا للسلوك صار حقيقيا, و إذا كان غير ذلك فليس له أية قيمة.
قولة:
الأفكار الحقيقية هي التي نستطيع أن نستوعبها و أن نصادق
على صحتها
كيير
كجار: قيمة الحقيقة تتمثل في كونها غاية و فضيلة
الحقيقة
غاية في ذاتها, أي أنها قيمة أخلاقية يسعى الإنسان إلى بلوغها من دون التفكير في جانبها
المادي و مردوديتها. و بهذا تتحول الحقيقة إلى فضيلة كبرى تحمل بعدا أخلاقيا يسعى إلى
الحقيقة في ذاتها خارج أي منفعة مبتغاة من ورائها. و ما دامت هذه الحقائق غير قابلة
للتعلم فهي غير موجودة.
قولة:
نحن نسعى للبحث عن الحقيقة ما دام لزاما علينا تعلمها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق