الموضوع
إلى أي حد تتفق الأخبار التي أوردها الجاحظ عن البخلاء مع الواقع؟مهما يكن الأمر في مدى صدق الجاحظ في تلك القصص والأخبار التي ينسبها إلى المعاصرين له والسابقين عليه سواء رآها حقا أو سمعها ممن كان يجلس إليهم أو نقلها مما قرأ، مهما يكن الأمر في ذلك، فإن هذه الأخبار أو القصص قد كتبت – ولا شك – بأسلوب الجاحظ، وحتى ما يمكن أن يكون قد رواه عن أهل عصره بلسانهم حقيقة- فلا شك أنه قد بدل فيه التبديل الذي يخضعه لأسلوبه أو الذي يجعله طيعا لقلمه، فيصهره ثم يلونه كما يشتهي.
أسلوب الجاحظ على ألسنة البخلاء يكثر فيه الاحتجاج المنطقي، ومن العناية بكثرة إيراد الشواهد عن المتأخرين من حكماء وشعراء أو الأحاديث النبوية الشريفة من غير عناية كبيرة بتحقيقها وتخير القوى منها والابتعاد عن المشكوك فيه أو المضعف أو الثابت أنه موضوع عقلا أو بمجرد النظر إليه نظرا بسيطا. وكذلك يلاحظ على أسلوبه الذي يستخدم في الحكاية عن البخلاء أو النطق به على ألسنتهم نلاحظ عليه العناية بأسلوبه الأدبي الرفيع، حتى ما يحكيه عن أناس لا يظن أنهم في كلامهم ونوادرهم الشعبية التي تقال بديهة يعنون بهذا النوع من الترف اللفظي والتأليف القوي بين الجمل أو الاستطراد في إيراد المعلومات المختلفة من تاريخيه وجغرافية وطبيعية وحيوانية وفلسفية وغيرها مما يدل دلالة واضحة على عقل الحاجظ الذي ألفها: ذلك العقل الفلسفي الممتاز الذي استوعب جل ما كان في عصره من معلومات وعلوم.
ويمكن أن نقول في شيء من الاطمئنان إن السبب المباشر لتأليفه هذا الكتاب هو سخريته من هؤلاء البخلاء الذين حضر موائدهم أو رأى أحوالهم المضحكة فأراد الانتقام منهم لفرط حساسيته من جهة، ولروحه الفكهة rالحساسية، وإذا أحس فلا بد له أن يعبر ، وإذا عبر غلا غضاضة من أن يطلق لخياله العنان، وأن يترك طبيعته على سجيتها، حتى تنتج له ما يخفف عنه ما يحس به، وما يرضى به تلك الطبيعة الفنية الخلاقة التي يسخر بها من البخل والبخلاء بعامة، ومن بعض البخلاء بخاصة دون التعرض لذكر الأسماء كقوله: وقد كتبنا لك أحاديث كثيرة مضافة إلى أربابها، وأحاديث كثيرة غير مضافة إلى أربابها، إما بالخوف منهم، وإما بالإكرام لهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق