الرئيسية طبيعة العلاقات الأسرية في الاسلام

طبيعة العلاقات الأسرية في الاسلام

طبيعة العلاقات الأسرية في الاسلام

تعريف الأسرة: قال ابن منظور في لسان العرب، مادة (أَسَرَ) (1/14(: "أُسرةُ الرجل: عشيرتُه ورهطُهُ الأدْنَوْنَ لأنه يتقوى بهم، والأُسرةُ عشيرةُ الرجل وأهلُ بيته. المتأمل في معنى لفظ الأسرة في اللسان العربي يجده مشتقا في أصله من الأسر والأسر لغة هو القيد وقد يكون طبيعيا لا فكاك منه إذ يولد الإنسان أسيرا لمجموعة من الصفات الفيزيولوجية كاللون والطول، وقد يكون طاغيا أو مصطنعا كأسر مجرم أذنب في حق ضحيته وقد يكون أسرا اختياريا يرتضه الإنسان بل يسعى إليه، ويكون بدونه مهددا. ومن هذا الأسر الاختياري اشتقت الأسرة فنخلص في النهاية إلى أن المعاني اللغوية للأسرة تلتقي في معنى واحد يجمعها، و هو قوة الارتباط. وتنقسم الأسرة إلى قسمين: أصول: وتشمل الآباء والأمهات وفروع الأولاد. فروع: وتشمل فروع الأبوين وفروع الأجداد والجدات.
الأسرة النواة: هي التي تضم الزوجين والأبناء في حالة الإنجاب
الأسرة الممتدة الصغرى: وتضع غالبا فردا أو فردين من الجيل الأقدم وأسرتين على الأقل من الجيل الموالي. الأسرة الممتدة الدنيا: وتضع أسرتين نواتين بينهما قرابة أخوية أو بالمصاهرة. قد جاء في كتاب الله-عز وجل- ذِكْرُ الأزواج والبنين والحفدة، بمعنى الأسرة، قال تعالى: (والله جَعَلَ لَكُم من أَنفُسِكُم أَزوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِن أَزَوَاجِكُم بَنِين َ وَحَفَدَة وَرَزَقَكُم مِن الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُم يَكْفُرُون) لقد جعل الفقهاء لفظ الأسرة يتسع إلى كل من الزوج والزوجة والأولاد. كما حدد علماء الاجتماع الأسرة، بأنها جماعة تُحددها علاقة جنسية مُحكمة وعلى درجة من تحمل المسؤولية تُمَكِنُ هذه الأسرة من إنجاب الأطفال وتربيتهم.
الأسرة في المفهوم الإسلامي ليست تلك العلاقة المحدودة بالزوجين والأبناء (الأسرة النووية)، بل تمتد بامتداد العلاقات الناشئة عن رباط المصاهرة والنسب والرَّضاع، والذي يترتب عليه مزيد من الحقوق والواجبات الشرعية، مادية كانت كالميراث، أم معنوية كالبر والصلة والصدقات (الأسرة الممتدة)
الأسرة هي النواة الأولى واللبنة الأولى في بناء المجتمع الإسلامي وبناء الحياة الإسلامية  من الحقائق التي لا خلاف عليها بين علماء الاجتماع والتربية والفكر الإسلامي أن الأسرة عماد المجتمع، وقاعدة الحياة الإنسانية.

العلاقة بين الأزواج :

قال صلى الله عليه وسلم (لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة خرماء سوداء ذات دين أفضل )
 سمى القرآن الكريم العلاقة بين الزوج و الزوجة ميثاقا غليظا فقال تعالى " وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا " واعتبر القرآن الكريم أن المودة والرحمة هما أساسا البناء الأسري النفسي فقال الله تعالى " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة .."
يقول سبحانه:  ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) البقرة:228، والدرجة هنا هي درجة القوامة والقيادة، ومن الضروري أن نزيل الفهم الخاطئ للقوامة سواء عند الرجل أو المرأة، فقد ساد الاعتقاد بأنها تشريف له على حساب شخصية المرأة وإلغاء لوجودها ودورها، وبالتالي فهي استبداد وسيطرة وظلم من قبل الرجل واستسلام مطلق من المرأة لقراراته، والحقيقة فإن القوامة تكليف من الله عز وجل ومسؤولية يجب على الرجل تحملها بما أعطاه من قوة وقدرة على العمل والإنفاق، وهي لا تنفي قيم التشاور والمناقشة والاحترام المتبادل لأفكارهما، يقول سبحانه وتعالى معبراً عن القيم التي يجب أن تسود العلاقات الزوجية : (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) البقرة: 187، هذه آية القرآنية  تعبر عن القمة في المشاركة والستر المتبادل والامتزاج المتكامل بين الزوجين. لبناء أسر متماسكة و مستقرة اشترط الإسلام في عقد الزواج أن يكون عن اختيار متبادل وعن رضا كامل، فكما أن من حق الرجل أن يختار زوجته فكذلك من حق المرأة أن تختار شريك حياتها دون أي ضغوطات· لكي تستقر الأسرة لابد من تنظيمها ووضع قانون يحكمها باعتبارها مؤسسة اجتماعية لذلك نظم الإسلام الحقوق و الواجبات الزوجية .
الأسرة ليست بمنأى عن الخلافات الزوجية لذلك أمرنا الإسلام بالتدخل بالحسنى بين الزوجين لإصلاح كل خلاف قد ينشب بين الزوجين قال الله تعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلهآ إن يريدآ إصلحاً يوفق الله بينهمآ ) (النساء: 35) و حتى في صورة حصول الطلاق و هو أبغض الحلال عند الله فإن القرآن يعطي للزوجين فرصا جديدة لربط علاقة زوجية جديدة بعقد جديد إن الغرض من الحرص على استمرار بناء الأسرة هو إقامة حدود الله و شرعه الذي هدفه بناء مجتمع سليم لا يستقيم إلا بأسر مستقرة يترعرع في ظلها الأبناء قال تعالى  :( فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله و تلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون )(البقرة: 230) و من الآيات و الأحاديث النبوية التي تحث المسلم على الحفاظ على كيان الأسرة نذكره قوله تعالى : (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا) (النساء: 19)، كما  يقول النبي صلى الله عليه و سلم في هذا المعنى  : (لا يَفرك -أي يبغض- مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر) (رواه مسلم). بما أن الخلاف الزوجي أمر طبيعي وشائع، فمن واجب الزوجين في حالة التنافر أن لا يتنازعا أمام الأولاد، بحيث لا يسيء الرجل إلى زوجته فيضربها أو يشتمها أو يعنّفها أمام الأولاد، ولا تسيء الزوجة إلى زوجها بأن تتمرد عليه أو تحقِّره أو ما إلى ذلك أمامهم، لأن ذلك سوف يترك تأثيراً سلبياً على الأولاد، فينشأون معقّدين تتنازعهم عواطف متناقضة بين الحب والكراهية تجاه والديهم اللّذَيْن يؤذي كل منهما الآخر، كما قد ينعكس ذلك على حياة الأولاد المستقبلية، إذ تنشأ البنت والصبي وفي ذهنيهما إدراك مشوّه لطبيعة العلاقة التي تربط الزوجين، بحيث يحاولان إسقاطها على حياتهما.قال تعالى:(فإمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان) البقرة:229
العلاقة بين الآباء و الأبناء :
قال الله تعالى : (المالُ والبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدنيا) لقد فطر الله -عز وجل- الناس على حب أولادهم.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ) أبو داود وأحمد عن عبد الله بن عمرو .كان بعض السلف يقول، والله إني لأتقرب إلى الله بإخراج القمائم من بيتي، لأن النية تجعل العادة عبادة.

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) ابن حبان وأبو نعيم عن أنس
بر الوالدين

قال سبحانه و تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)
قال الله تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾
كان إسماعيل -عليه السلام- غلامًا صغيرًا، يحب والديه ويطيعهما ويبرهما. وفي يوم من الأيام جاءه أبوه إبراهيم -عليه السلام- وطلب منه طلبًا عجيبًا وصعبًا؛ حيث قال له: ( يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) -الصافات: 102- فرد عليه إسماعيل في ثقة المؤمن برحمة الله، والراضي بقضائه: (قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين)-الصافات: 102-
وهكذا كان إسماعيل بارًّا بأبيه، مطيعًا له فيما أمره الله به، فلما أمسك إبراهيم -عليه السلام- السكين، وأراد أن يذبح ولده كما أمره الله، جاء الفرج من الله -سبحانه- فأنزل الله ملكًا من السماء، ومعه كبش عظيم فداءً لإسماعيل، قال تعالى: ( وفديناه بذبح عظيم) -الصافات: 107-
يحكي لنا النبي صلى الله عليه وسلم قصة ثلاثة رجال اضطروا إلى أن يبيتوا ليلتهم في غارٍ، فانحدرت صخرة من الجبل؛ فسدت عليهم باب الغار، فأخذ كل واحد منهم يدعو الله ويتوسل إليه بأحسن الأعمال التي عملها في الدنيا؛ حتى يفرِّج الله عنهم ما هم فيه، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت أحضر لهما اللبن كل ليلة ليشربا قبل أن يشرب أحد من أولادي، وتأخرت عنهما ذات ليلة، فوجدتُهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما أو أعطي أحدًا من أولادي قبلهما، فظللت واقفًا -وقدح اللبن في يدي- أنتظر استيقاظهما حتى طلع الفجر، وأولادي يبكون من شدة الجوع عند قدمي حتى استيقظ والدي وشربا اللبن، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، وخرج الثلاثة من الغار.
و هذه قصة مأخوذة من حديث متفق عليه ( يحكي أن رجلا من بني سلمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرُّهما به من بعد موتهما؟ قال: (نعم. الصلاة عليهما (الدعاء)، والاستغفار لهما، وإيفاءٌ بعهودهما من بعد موتهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما) ابن ماجه
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم  فقال:  يا رسول الله، مَنْ أحَقُّ الناس بِحُسْن صَحابتي؟ قال صلى الله عليه و سلم : أمُّك '، قال : ثم مَنْ؟ قال صلى الله عليه و سلم : أمُّك، قال : ثم مَنْ؟ قال صلى الله عليه و سلم : أمُّك، قال : ثم مَنْ؟ قال صلى الله عليه و سلم : أبُوك . وفي رواية قال صلى الله عليه و سلم ( أمَّك، ثم أمك، ثم أباك )أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة

كما جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأذنه في الجهاد، فقال صلى الله عليه و سلم  : (أحيٌّ وَاِلَداكَ؟ . قال : نعم . قال : ففيهما فجاهدْ ) البخاري عن عبد الله بن عمرو. و أقبل رجل آخر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله تعالى، فقال صلى الله عليه و سلم : «هل لك من والديك أحد حي؟» قال: نعم، بل كلاهما، قال صلى الله عليه و سلم : «فتبتغي الأجر من الله تعالى؟» قال: نعم، قال صلى الله عليه و سلم : ( فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما)متفق عليه عن عبد الله بن عمرو بن العاص.  وفي حديث آخر قال صلى الله عليه و سلم : ( ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما) النسائي عن عبد الله بن عمرو
قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾سورة لقمان: آية 15

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.