الفنّ والزمنيّة_
* نداء الحاجات، ونعني به ما يتعيّن أن نمتلكه لسدّ حاجاتنا.
* نداء الأساس،الذي يتطلّب المراهنة بماهية الإنسان، وهو لذلك سيكون خطرا.
فأما نداء الحاجة فهو يفضي إلى صيغة وجود احتسابي، والنتيجة ضمن هذا الخيار هي الاستسلام لعبوديّة النفع والمردوديّة. وأما نداء الأساس فنسميه بـ النداء إلى ماهية الإنسان، وهو نداء يتجاوز تاريخ الكائن نفسه نحو انشداد للزمنيّة. ذلك أن الكينونة نفسها تذوب في الزمان وتتماهى معه.
يوجد إذا صدى لنداءات لا تنجم عن الحاجات. وهذا الوجه الآخر لنمط الكينونة، هذا المجال الأخير كليّا، هو الذي يمكن أن تقام منه تجربة مخصوصة هي التجربة الفنية.
- تفيد التجربة في دلالة خاصة الامتحان بالمعاناة والمكابدة. وهي ذات التجربة التي يعيشها الفنان، فهو يجرّب ما هو مصيري بالنسبة إليه ويضع ذاته موضع سؤال وامتحان. كما أن الوعي بعمق وجود المعنى يقتضي انقلاب كلّي على الذّات ورفض الوجود كماهو.
إن الحفر في مفهوم الزمنيّة كمفهوم أساسي وكموضوع تجربة خاصة يعيشها الفنان في علاقته بأثره الفنّي، كشف عن دلالة متميّزة للتجربة كامتحان ومكابدة، علما وأن أصل كلمة امتحان هو محنة.
الزمنيّة مرشّحة بامتياز لمثل هذا المصير، فعلى كيفيّة التعامل معها يتوقف معنى الوجود نفسه. وإن قراءة تأويليّة لبعض الأعمال الفنيّة مثل حقيبة الصندوق لـ مارسيل دي شان أو عملية الهدم والبناء وإعادة البناء المستمرة لـ رينو، تكشف عن تجارب متقاربة لامتحان الوجود، إذ هناك نوع من الوحدة في المعاناة.
هل يمكن للتجربة الفنية أن تكون قابلة للتكرار على غرار التجربة العلمية؟
إن التجربة الفنية لا يمكن أن نفصلها عن ذات الفنان، بل عن أسلوبه في الصياغة نفسه. هذا يفيد أن في التجربة الفنية علاقة مخصوصة بالذاتيّة رغم كونها تنحو نحو الكونيّة. فهي ذاتيّة تتشوّف الكونيّة ( تشمل الكونيّة في بعدها القيمي مجمل القيم والمبادئ التي تكون موضوع اتفاق بين أفراد المجموعة الإنسانيّة. ويتحدد الجمال كقيمة كونية من جهة كونه جدير بأن يرغب فيه الناس جميعا) .
إن التجربة الفنيّة ليست تجربة واقعيّة لأن الواقعية توشك أن تكون تكرارا للواقع، وكل تكرارلا يمكن أن يكون إلاّ دونيّا. وبالتالي لايمكن للإبداع الفنّي إلاّ أن يكون ممكنيّا إظافيّا، وحتّى وإن وجد نفسه مشدودا للواقع فإنه لن يكون تكرارا له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق